استطاعت المملكة العربية السعودية أن تحقق العديد من الإنجازات عبر مجموعةٍ من البرامج في مجال الريادة الرقمية الإقليمية والعالمية، وذلك وفقاً لأعلى درجات الأداء والموثوقية.
بلا شكٍ أن عملية التحول الرقمي السعودي والاهتمام به لَهو واحدٌ من المكاسب الكبيرة للحكومة وللمملكة عامةً، الأمر الذي دفعها لإطلاق برامج التحول الرقمي وريادة الأعمال في المجتمع السعودي في خطوة هامة لمساعدتها على تحقيق رؤية المملكة (2030) والتي تهدف في مجملها للوصول إلى مجتمعٍ رقمي حيوي، اقتصاد مزدهر وشباب مُنتج طموح.
تعد المملكة من أوائل الدول العربية التي تبنت التحول الرقمي، وهي في طريقها لتصبح واحدة من أفضل 20 نموذجًا للتحول الرقمي في العالم بحلول عام 2030، ولتحقيق هذا الهدف قامت بتطوير العديد من الأطر العملية والآمنة لدعم المؤسسات.
ما هي أهداف عملية التحول الرقمي في السعودية لعام 2022؟
وضعت الحكومة السعودية أهدافًا طموحة للتحول الرقمي في البلاد، فهي عملية تتطرق لجميع جوانب الحياة من الخدمات الحكومية إلى التعليم والرعاية الصحية، لذلك دعونا نتعرف على أهداف عملية التحول الرقمي في السعودية لعام 2023:
- رفع حجم الاقتصاد الرقمي ضمن اقتصاد السعودية.
- توفير الملايين من الوظائف الجديدة.
- زيادة الإنفاق بشكل صحيح على مشاريع المستقبل.
- الاستفادة من إمكانات بلوك تشين.
- الاستفادة من إمكانيات الكمبيوتر الكمي.
- أن تكون المملكة من أفضل 20 دولة رقمية مبتكرة في العالم.
1- رفع حجم الاقتصاد الرقمي ضمن اقتصاد السعودية:
يمثل الاقتصاد الرقمي حاليًا جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة من 12- 15%، لكن الهدف هو الوصول إلى 25٪ بحلول عام 2025، فمن خلال سد الفجوة الرقمية يمكننا تحقيق ذلك حيث تشير بيانات البنك الدولي الأخيرة حسب صحيفة Saudi Gazette إلى أن كل زيادة بنسبة 1٪ في سد الفجوة الرقمية تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5-1٪ وتعتبر هذه الطريقة الأكثر فاعلية لتحقيق النمو الاقتصادي الرقمي.
وتهدف المملكة إلى المساهمة في عائدات التقنية المالية بما يتراوح بين 1-1.2 مليار دولار بحلول عام 2025، كجزء من التزامها بتحسين حلول الدفع مع الحفاظ على بيانات المستخدم، حيث حققت المملكة اتصالاً ممتازًا بشبكات الجيل الخامس، مما يجعلها واحدة من أفضل الدول عندما يتعلق الأمر بتبني هذه التقنية الجديدة من الاتصال اللاسلكي.
2- توفير الملايين من الوظائف الجديدة:
في عام 2025، من المتوقع أن توفر المملكة العربية السعودية ما بين 5.2 و 6.2 مليون وظيفة مع ظهور فرص عمل ذي ملامح مهنية جديدة تعتمد على التقنيات الجديدة، نتيجة لزيادة الطلب على المنتجات والخدمات القائمة على التكنولوجيا، نظرًا لانخفاض الأسعار أو ظهور أسواق جديدة ومناطق الطلب.
يمكن أن يؤدي انخفاض الأسعار المرتبط بالرقمنة إلى زيادة الدخل الحقيقي للسكان عن طريق إنفاق هذه الأموال الإضافية على أي منتجات أو خدمات بخلاف التكنولوجيا، مما يوفر وظائف في قطاعات أخرى من الاقتصاد.
الرقمنة لها تأثير كبير على الوظائف بأكملها بما في ذلك تشكيل وظائف جديدة، حيث أدت هذه الظاهرة إلى إنشاء مهام جديدة، مثل تحليل البيانات الناتجة عن نشر التكنولوجيا، لذلك يمكن أن تختلف التغييرات في المهام من بسيطة إلى رئيسية.
3- زيادة الإنفاق بشكل صحيح على مشاريع المستقبل:
إذا كنت تتطلع للاستثمار في حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المملكة العربية السعودية، قدرت مؤسسة الأبحاث الدولية أن الدولة أنفقت العام الماضي ما مجموعه 32.9 مليار دولار على حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مما يؤدي هذا التمويل لإطلاق مشاريع جديدة ومبتكرة تجعل المملكة العربية السعودية رائدة في التحول عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها.
سيساعد هذا التمويل في إطلاق مشاريع جديدة ومبتكرة تجعل المملكة رائدة في التحول الرقمي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها.
يظهر الشباب السعودي في المملكة العربية السعودية ليس فقط القدرات التقنية العالية ولكن أيضًا الإبداع والتفكير خارج الصندوق مما يؤدي لتقدم اجتماعي واقتصادي حقيقي.
كما سيعود هذا الإنفاق بضعف العائدات خلال السنوات والعقود القادمة إلى المملكة العربية السعودية، والتي ستحتاج إلى ذلك لتبتعد عن الاعتماد على النفط في المستقبل.
4- الاستفادة من إمكانات بلوك تشين:
من المتوقع أن ينمو سوق بلوك تشين في المملكة العربية السعودية بنسبة 41 في المائة بين عامي 2021 و 2025، وفقًا لتقديرات هيئة تنظيم الاتصالات في المملكة، حيث يعتبر ازدهار سوق بلوك تشين جزءًا من النمو الأكبر على نطاق أوسع في قطاع تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الناشئة، والذي من المتوقع أن يصل إلى 100 مليار ريال سعودي بحلول عام 2025 – بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 10٪.
هناك العديد من الميزات الرائعة لـلبلوك تشين، بما في ذلك قدرتها على تحقيق اللامركزية في مختلف القطاعات، وحماية بيانات العملاء، ومنع الرشوة والفساد، وبناء قواعد بيانات أكثر موثوقية، بالإضافة إلى ذلك، ستعمل على تسريع المعاملات المالية وتقليل تكاليف تحويل الأموال سواء بين البنوك أو حلول الدفع.
5- الاستفادة من إمكانيات الكمبيوتر الكمي:
تعد الحوسبة الكمية أداة قوية للغاية يمكنها المساعدة في حل العديد من المشكلات التي أثبتت الحوسبة التقليدية أنها غير فعالة فيها، حيث يمكن لجميع الصناعات، مثل الطيران والتشفير والتنبؤ بالطقس، الاستفادة بشكل كبير من الحوسبة الكمومية، كما يمكن جعل التشفير المتقدم بسيطًا باستخدام أجهزة الكمبيوتر الكمومية بالإضافة إلى تحسين التنبؤ بالطقس بشكل كبير من خلال مراعاة المزيد من العوامل.
المملكة العربية السعودية مهتمة بالاستفادة من هذه الإمكانات الجديدة وقد بدأت بالفعل العمل على شراكات مع العديد من الشركات الدولية والخبراء بجامعة الملك عبد الله.
6- من أفضل 20 دولة رقمية مبتكرة في العالم:
تهدف المملكة أن تكون من بين أفضل 20 دولة رقمية مبتكرة في العالم، عن طريق تحسين نوعية الحياة لمواطنيها من خلال الخدمات الرقمية المتقدمة التي ترفع وعي المواطنين، وتمكنه من تنفيذ معظم العمليات عن بُعد في المستقبل، والتميز في قطاع تقديم الخدمات الحكومية.
كما تعد المملكة العربية السعودية حاليًا مكانًا رائعًا للشباب، فهي تقدم فرصاً للتدريب والتعليم بمجالات الذكاء الاصطناعي، التعلم الآلي، تقنية البلوك تشين، تقنيات الواقع الافتراضي والحوسبة الكمومية.
ومع ذلك كله فإن عملية الرقمنة هذه قد يعترضها بعض المعيقات والتحديات، لذلك لا بد من التعرّف عليها في سبيل معالجتها من أجل تحقيق الأهداف والرؤى.
فما هي التحديات والمعيقات التي واجهت عملية التحول الرقمي في السعودية ؟
التحول الرقمي ليس خيار، بل أمر يجب على جميع الشركات أن تمر به، ولكن مع الاستفادة من التقنيات الحديثة مثل إنترنت الأشياء والخدمات السحابية المختلفة، للتقليل من المخاطر الأمنية…
دعونا نتعرف على أبرز التحديات والمعيقات التي تواجه عميلة التحول الرقمي:
-الافتقار إلى وجود رؤية واضحة ومحددة.
وهذا راجعٌ بطبيعة الحال إلى الاتساع والغزارة ما بين المعلومات والحلول التقنية وامتزاجها وتداخلاتها وترابطاتها الكبيرة، بالإضافة إلى وهن في طرق الربط وضعفها مع رؤية المؤسسة بشكل عام.
-عدم وجود استراتيجية وخطط محددة
بدون خطة استراتيجية للتحول الرقمي، قد يكون من الصعب تحقيق النجاح، فبالنظر إلى المملكة، نرى أن وضع خطط لها استراتيجيات واضحة للانتقال إلى الاقتصاد الرقمي هو أحد أكثر التحديات التي تواجهنا اليوم، فهو يتطلب المال والوقت والجهد ليتم تنفيذه بشكل صحيح.
ففي البداية عليك تحديد الأهداف والأولويات الخاصة بالمؤسسة حتى تتمكن من تحديد استراتيجية التحول الرقمي .
الكثير من استراتيجيات التحول الرقمي غير قابلة للتطبيق وذلك من خلال تركيز العديد من المنشآت والمؤسسات على وضع استراتيجيات معقدة، وفي الوقت ذاته ضخمة، الأمر الذي يتعارض مع تطبيق هذه الاستراتيجيات ويجعلها تصطدم بالواقع الحقيقي الفعلي.
-ضعف الكفاءات ونقص القدرات والخبرات المتمكنة
لا يمكن غض الطرف على أن هناك منشآت ذات مستوياتٍ معرفيةٍ عالية، ولكن في الوقت ذاته هناك أخرى تعاني من الافتقار في امتلاك المهارات والخبرات الداخلية وهذا بالطبع يعيقها أمام قدرتها في دعم التحول الرقمي ، ولا بد من التنويه أنه إلى جانب ذلك لا يوجد نماذج مجربة بسبب التطور الكبير الذي يحدث.
-نقص مهارات تقنية المعلومات المخصصة
تتطلب التحولات الرقمية الناجحة فريقًا ماهرًا في مجال تكنولوجيا المعلومات، فالافتقار للمهارات والخبرات أحد أهم التحديات التي تواجه المنظمات والدول اليوم.
فبدون وجودهم، لا يمكن المضي قدمًا في عمليات التحول الرقمي، حيث تعتبر هندسة مؤسسات الأمن السيبراني، وتحليلات البيانات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي كلها مكونات أساسية للنجاح.
من أجل تنفيذ التحول الرقمي بنجاح، نحتاج إلى الاستعانة بخبراء ومستشارين من الخارج، حيث يتمتع هؤلاء المحترفون بسنوات من الخبرة في تطوير المبادرات الرقمية، ويمكن أن يوفروا خدمات الاستشارات والتحول الرقمي للمؤسسات.
-عدم القدرة على تحسين المنتجات والخدمات المقدّمة.
والأمر يرجع إلى كثرة التعقيدات الموجودة في بعض نماذج الأعمال، فتطويرها وتحسينها يحتاج إلى الكثيرِ من الوقت والأموال والجهود.
-عدم القدرة على وضع خطط منظّمة لعملية التحول الرقمي
وهي من أهم وأعقد التحديات التي واجهت الحكومة السعودية ، حيث إن وضع خططٍ استراتيجيةٍ منظمة هي أول خطوةٍ هامةٍ في مجال عملية التحول الرقمي الصحيح.
ترجع صعوبة وضع خطط صحيحة إلى أنها تحتاج أبعادٍ فكرية جديدة وواضحة من شأنها أن تساهم في دفع الاقتصاد الرقمي نحو الأمام.
-نقص إدارة التغيير التنظيمي
يمكن للهياكل التنظيمية القديمة التي عفا عليها الزمن أن تعرقل نجاح التحول الرقمي، فمقاومة التغيير تجعل التحول الرقمي مستحيلاً، فصحيح أن التنقل في أدوات جديدة أمرًا صعبًا، ولكن إذا أضفنا مقاومة للتغيير، يصبح الأمر شديد الصعوبة.
لذلك يجب التركيز على إعداد الموظفين للتحول الرقمي، وعدم التركيز فقط على تطوير الجانب التقني من خلال تطوير خطة شاملة.
-تطور احتياجات العملاء
في العام الماضي، نتيجة لكوفيد 19، أدرك الناس مدى قوة أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية مما أدى لجعل العملاء أكثر تمييزًا وتطلبًا من أي وقت مضى، بالإضافة إلى زيادة التوقعات بشأن التقنيات الرقمية والمتقدمة.
لذلك يمكن الاعتماد على التقنيات الحديثة كوسيلة لكن لا يلغي الوسائل الأخري، فعليك إجراء أبحاث السوق لتعرف ما يريده عملائك وكذلك ما يقوم به منافسيك لمواكبة المنافسة.
-إدارة البيانات غير الفعالة
يكمن مفتاح التحول الرقمي الناجح في جمع بيانات العملاء وتحليلها بطريقة تسمح لك باكتساب نظرة ثاقبة على تفضيلات المشترين وسلوكياتهم، فهذه هي الطريقة التي يتم بها جمع هذه البيانات، وتنظيمها هي المفتاح لتسهيل الوصول إليها لتحليلها.
إذا كنت لا تزال تعمل مع أنظمة منعزلة، سيكون من الصعب دمج هذه المعلومات في موقع مركزي، بالإضافة إلى أن حماية البيانات وخصوصيتها تمثل التحدي الأكبر، لذلك يجب على المؤسسات تطبيق أطر العمل الدولية التي تساعد في حماية البيانات من خلال إدارة الأمن السيبراني بشكل فعال.
-سياسات خصوصية البيانات والأمن السيبراني
يمثّل الأمن السيبراني مسألة من أكثر المسائل صعوبة في الآونة الأخيرة، ولا تقتصر هذه الصعوبات على مجال النمو المخيف الذي تشهده برامج التحول الرقمي، فإلى جانب ذلك فهناك مخاوف عديدة تثيرها البرامج الخبيثة، والبيانات المسروقة، حيث أطلق بعض من مجرمي الإلكترونيات أو ما يدعون بـ”الهاكرز” هجماتهم التي تعمل على انتهاك خصوصية المعلومات الرئيسية للمؤسسات، وهذا الأمر لا يمرّ عبثاً فمع كل هجوم يكلف تلك المؤسسات الملايين، ولا يقتصر الأمر إلى هنا فحسب بل هناك جرائم احتيال التي تتمثل في إطلاق الرسائل الرقمية مجهولة المصدر إلى المهمين من الأشخاص المتمثلين في أصحاب الشركات البنوك لسرقة معلوماتهم وبيانتهم المهمة .
لذلك فمن أجل تحقيق التحول الرقمي بنجاح، يجب أن نكون على دراية بالمخاطر التي تنطوي عليه، فالاستهانة بهذه المخاطر هو الأمر الأخطر، خاصة وأن الانتقال إلى الخدمات الرقمية يوسع نطاق الهجمات، ويزيد اتجاه إنترنت الأشياء من كفاءة الأعمال ولكنه يضيف أيضًا مليارات الأجهزة غير المحمية إلى الشبكة.
هذه كانت أبرز وأهم التحديات التي واجهت عملية التحول الرقمي السعودي، ومع خلال تتبع العديد من المصادر والدراسات الهامة نجد أن هناك ما يشير إلى أن الحكومة السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تلك التحديات والعراقيل، بل بدأت التفكير في خطوات ووسائل من شأنها أن تتجاوز بها تلك الصعوبات، وقد وضعت سقفاً زمنياً حدّه خمس سنواتٍ من أجل إعادة ثورة تغييرية قادرة على بناء حكومة رقمية قادرة على التفاعل مع الشرائح كافة داخلياً وخارجياً.